يبرز التضخم العقاري في السعودية كواحد من أكثر المشكلات تعقيدًا وتأثيرًا في حياة السعوديين وتوازن السوق العقاري، فلم يعد ارتفاع أسعار الأراضي وتكلفة البناء وقيمة الإيجارات ظواهر مؤقتة، بل باتت أمرًا مستمرًا يعانيه المستثمرون.
في هذا المقال، سنحاول معًا إيضاح أسباب ذلك التضخم والحلول الممكنة للحد منه.
ما المقصود بالتضخم العقاري في السعودية وما أسبابه؟
يعني التضخم العقاري في السعودية ارتفاعًا مستمرًا في أسعار العقارات -سواءً كانت أراضٍ أو وحدات سكنية أو تجارية- بصورة تفوق معدلات دخل الأفراد أو القدرة الشرائية المتاحة، أما أسباب ذلك التضخم فتنحصر فيما يلي:
نقص المعروض السكني الحقيقي
عند تحليل السوق العقاري سنجد مشاريع إسكان ضخمة، لكن لا يزال حجم الطلب يفوق عدد الوحدات المتاحة بها خصوصًا للفئة المتوسطة، إذ تُركّز كثير من تلك المشاريع على توفير الوحدات الفاخرة أو التجارية، إضافة إلى ذلك تعاني المدن الكبرى فجوةً حقيقية في الوحدات المناسبة لمتوسطي ومحدودي الدخل.
الرسوم المرتبطة بالتطوير
ارتفعت تكاليف التطوير العقاري بفعل عوامل عدّة انعكست على سعر المنتج النهائي، منها ارتفاع:
- أسعار مواد البناء.
- الرسوم الحكومية.
- تكلفة البنية التحتية.
- أجور الأيدي العاملة.
توسع الإقراض العقاري دونَ تنظيم صارم
التمويل العقاري سلاح ذو حدين، فعندما يتاح بسهولة دونَ ضوابط قوية يؤدي إلى رفع الطلب بسرعة رُغم عدم زيادة الوحدات المعروضة على نحو مماثل، وهذا ما شهدته المملكة في مراحل سابقة، إذ قفزت الأسعار بسبب تسهيل التمويل وفرض ضريبة القيمة المضافة على العقار في عام 2020.
أثر الاقتصاد العالمي في التضخم العقاري في السعودية
للاقتصاد العالمي تأثير كبير في التضخم العقاري في السعودية، وذلك يرجع إلى:
التضخم العام في الاقتصاد
ينعكس ارتفاع أسعار السلع والخامات على تكلفة البناء والأجور وأسعار الأراضي، ومع التغيرات العالمية مثل أزمات سلاسل التوريد وعلو أسعار الشحن، زادت تكلفة الإنشاء بصورة ملحوظة.
الهجرة الداخلية والتحول الحضري
أدى النمو السكاني والانتقال الكثيف للمدن الكبرى إلى تضخم العقار في الرياض وغيرها من المدن مثل جدة والدمام، فضلًا عن توجه الدولة نحو تركيز الخدمات والفرص الاقتصادية في تلك المدن، مما جعل العقارات بها هدفًا رئيسيًا للسكن والاستثمار.
اللجوء للعقار كفرصة استثمارية مُربحة
يلجأ كثير من الأفراد إلى الاستفسار عن أسعار الشقق في الرياض للاستثمار بها؛ حتى يحافظوا على أموالهم من التضخم أو يحققوا أرباحًا منها عن طريق تأجيرها، مما يزيد الطلب على العقارات ومن ثمَّ معدل التضخم.
ما أثر التضخم العقاري في السعودية؟
تأثير تضخم العقار السعودية لا يقتصر فقط على أسعار الأراضي والمساكن، إنما يتسلل إلى مختلف جوانب الحياة اليومية، وتكمن خطورته في تراكمه ببطء تدريجيًا حتى صار واقعًا يصعب تغييره والتكيف معه.
وإليك أبرز تأثيرات التضخم العقاري في السعودية:
ضعف القوة الشرائية للأسر
عندما ترتفع أسعار العقارات بنسب تفوق نمو الرواتب أو الدخل الشهري، يضطر المواطن لتوجيه جزء أكبر من دخله نحو الإيجار أو تقسيط ثمن السكن، وهذا يقلل قدرته على الإدخار أو الإنفاق على التعليم والصحة.
ومع مرور الوقت، تتسع الفجوة بين ما يكسبه المرء وما يحتاجه لعيش حياة كريمة، مما يؤثر في الاستقرار الأسري والاجتماعي.
تراجع فرص التملك
تُعد القدرة على امتلاك سكن حلمًا مشروعًا للمواطن، ولكن تضخم أسعار العقار دفع هذا الحلم بعيدًا عن متناول الكثيرين، خاصةً الشباب المقبلين على الزواج أو الأسر محدودة الدخل.
ومع صعوبة الحصول على تمويل مريح وتضخم الأقساط الشهرية، يضطر الكثيرون للعيش في وحدات سكنية غير ملائمة، أو الاستمرار في الإيجار مدى الحياة، وذلك يتنافى مع مبدأ الاستقرار الأسري على المدى الطويل.
الضغط على سوق الإيجارات
يتجه غالبية الناس إلى الإيجار حين تتعذر الملكية، مما يزيد الطلب على هذا النوع من السكن ويؤدي إلى ارتفاع الإيجارات بنسب سنوية متكررة، وحينها تصبح النتيجة تأكل دخل الأسر وإجبار البعض منهم على الانتقال إلى مناطق أبعد عن أماكن العمل والخدمات، وذلك قد يخلق مشكلات إضافية في النقل والوقت والراحة النفسية.
تضخم تكاليف الأعمال التجارية
يؤثر ارتفاع أسعار الأراضي والوحدات التجارية في قطاع الأعمال، فالشركات الناشئة والمحال الصغيرة تجد صعوبة في استئجار مواقع مناسبة بأسعار معقولة، خصوصًا في المدن الكبرى، مما يؤدي إلى ارتفاع تكلفة التشغيل التي تنتقل بدورها إلى المستهلك، ومن ثمَّ ترتفع أسعار السلع والخدمات بصورة عامة.
توسيع الفجوة بين الطبقات الاجتماعية
يعمّق التضخم العقاري التفاوت بين مالكي الأصول العقارية وغيرهم مِمن لا يمتلكون شيئًا، فأصحاب الأراضي والعقارات يشهدون تضاعفًا في ثرواتهم، بينما تتراجع قدرة غير المالكين على اللحاق بركب التملك.
ما الحلول الممكنة للحد من التضخم العقاري في السعودية؟
يتطلب حل ظاهرة التضخم العقاري بالمملكة العربية السعودية حزمة متكاملة من السياسات، تشمل:
تحفيز تطوير الأراضي البيضاء
من الممكن تفعيل نظام بناء الأراضي البيضاء -أي الأراضي غير المطوّرة والخالية من المباني- بصورة أكثر توسعًا ليشمل مزيد من المدن، وذلك مع الالتزام الفعلي بالتطوير خلال فترة محددة لمواكبة الطلب.
تشجيع بناء الأبراج السكنية على حساب الفلل المنفصلة
تقليل الاعتماد على النمط الأفقي -مثل الفلل السكنية- في التوسع العمراني، وتسهيل إصدار التراخيص للمطورين الذين يقدمون مشروعات سكنية جماعية في مواقع حيوية، لتقليل التكلفة على المواطنين.
طرح أراضٍ حكومية بأسعار رمزية للمطورين
سيكون هذا الأمر خطوة فعّالة لخفض التكلفة الأولية للمشاريع، بشرط وجود رقابة على المطور حتى يلتزم بتسليم الوحدات بأسعار مقبولة خلال مدد زمنية محددة.
الخلاصة.. كيف أثر العقار على التضخم في السعودية؟
نستنتج مما سبق أن العقار يمتلك دورًا في زيادة التضخم في السعودية، وذلك من خلال ارتفاع أسعار الأراضي والوحدات السكنية والإيجارات، مما زاد تكلفة المعيشة على الأفراد ورفع تكاليف تشغيل الأنشطة التجارية، وهذا التوسع غير المنضبط في الأسعار انعكس على قطاعات متعددة وأثر في الاستهلاك والاستقرار المالي للأسر.
وفي الأخير، إن رغبت في مزيد من المعلومات الموثوقة بشأن مستقبل العقار في السعودية 2030، يمكنك تفصح مدونتنا الإلكترونية.
